نَرْجسيّة اغْرِيقيّة بين أهدابِ القمَر



شقائق النُعمان المقدّسة ..
عطشت وَ ارتوت بدماءِ أدونيس المبخّرة... {

السبت، 9 يناير 2010

منيرفا وَ حَكايا القدر الآثم



" فكر فيما سيكونْ عليه شُعورك في الغَدِ ، فالأمس قدْ مضى و اليوم يُوشك على الإنتهاء "

بلزاك

آرتميس ، هيّا انهضي وَ تحلّي بزينتكِ فالقوْس وَ السهم قد اعتكفا بيَن الآيل وَ شجر السَروْ وَ العازفاتِ يعشوشبن
بنغم باذخ . فلم يعد "زيوس "و لا "ليتو" وَ لا حتى توأمك "أبولون " دانون فِي الآفاق ، هيّا اصقلي قوسكِ الفضيْ الذي
صنعه لكِ " هيفيستوس " وَ انطلقي بعربتكِ الفضيّة لتقصّي مُجرمي الصيد ..
اغمضتْ دانة عينيها فِي معبدٍ نرجسيٍ عتيق ، وَ ها هو بُخور مِنْ صدى يعبق فِيْ المحراب
" استجّدت ذكريات ليال مؤودة فِي كتفِ قدرها وَ الصور فيِ تتابع "
تُداهمْ الصمت بِقلقها الحَزين !
مِنْ أين جاء هذا الحُزن فِي الدروب ِ ؟
وَ هذا الظلام يمد لقلبها مَخالبه ، فيصرعُها أسئلة لاَ إجابات لها
" دانة " لا ترى غير أوكار ليل تُراقصها الريح وَ تُزمجرْ الأسئلة حدةً وَ تمرداً
أرخَت عينيها لتنسَ الضفاف وَ كحلتّها بوشمِ الراحلين ، مرّت على القلبِ " والدتها " ، " سُلطان " ، " والدها "
وَ أخيراً صديقاتها " أسيل وَ هديل وَ شوق "
زفيرُ الشِفاةُ المُتَورِّدة وَ المُكتنزة يلعق مَا تداعى لها مِنْ خطرات وقتئذِ
البُشرى ... البُشرى يَا قَدر .. فصهيلُ حصان عربة " آرتميس " الفضيّة قَدْ جاب المملكة الدانيّة
فقدْ انشطر العِنَاء ، وَ السأم فاهجر
أحزانٌ تهربنا لأحزان ! فدمعةُ دانة تُعاشر أحذية الراحلين ، لتنام على آخر الذاكرين
وَ تصحو على خُطى القادمين
تَتعالى رنّات جهازها النقّال ، تصحو من سُكرة صبحٍ في شتاءٍ آثم وَ تلتقطه بهدوء
إبتسامة مخضبّة بالسكينةِ تزيّن وجنتيها ، تسحب تنهيدة وسط وجعين
دانة : طاب صباحكِ ، بادء ذي بدء أطمنّك أنني بخير
سُلطان و قد توجّس خيفةً مِنْ نغمة صوتها الـتي تبدو لمسامعه و كأنها تلاوةُ سماوية تستحث مشاعره للتبتل وَ شوهّها شيء مِنْ أنفاث الجِنِ المُتطفّل ..
بعد برهُة ، اسْتَدرك قائلاً :
صباحكِ تُقى وَ مزيجٌ من الكهرمان ، يسرنّي أنك بحالٍ أفضل
ابتسمتْ بعدما مددت ساقيها المتورمّتين من جراء الوقوف الـذي استهلكته و اسْتهلكها مليّاً أمام الشُرفة الـتي تُطل على حديقة الميدان العَام فيْ تلك المدينة الغاضبة
مشاغبةٌ قالت : كيفْ كان يومك الـذي طوى خلفه عاشقة تغني صبابة الشوق
سُلطان بعدما أخمد " السيجارة " الـ لا تؤمن إلا بشفاةِ هذه الأجواء لأن طقوس سُحقها مُتشابهة فهاهو يقتلها بفعل تكويره و إصرارهـ على إخمادها قائلاً :
مملوءٌ بشوقكِ وَ مُدان لعرش جمالكِ الـذي منحني توبة مقدّسة تتوق لعينيك التي غرقت في شهد الدموع الوالهة ..
يا الله هل تعلمين كيف أن ساعاتي البيولوجية قدْ رُتبّت كما هي ساعاتكِ المجنونة
في بعثرة يدها اليسرى تعبث بخصلاتها السوداء ، و يثقلتها غنج طبيعي :
أيعقل هذا يا رجل !
و ما يُلهمك في أنثى لو أن القباني نزار خرج من ضريحه لأستثناها مِنْ قائمة نساءه
سُلطان بتساؤل ساخر نوعاً ما : وَ هل ذاك النزار متهكن له القدرة على التنبأ بأمر كـ قدرك !
دانة : لا طبعاً فأنا لا يمكن التنبؤ بي لأن الأقدار جعلتني مترعة بخيباتها ، و الآخر الحظ امتهنْ ميداني كـساحة للتصارع معه
خلع نظارته الـ قننّها مؤخراً لضعفٍ في بصره بسبب إعتكافه كثيراً في ذاك المستشفى الجامعي
قائلاً :
صغيرتي ألا زلتِ تؤمنين بالحظ ..؟
ما هذا الهِراء يا جميلتي !
الحظ ، العين ، السحر كلها ميتافيزيقا و ما ورائيات لم ينزلْ الله بها من سُلطان
كبرياءٌ مُدجّج بلفحةٍ مِنْ أنين صرخ مؤذناً في داخلها " لا تُعلقّي هذا العنفوان في لُجة مأسآتكِ ، فلا هو يستحقْ الخسارة و لا أنتِ تستحقين "
دانة و هي تقتنص فرصة لتعلّق نرجسيتها بها وَ تسدد الثغرات السلطانية في حياتها :
نعمْ أؤمن بالحظ و أؤمن بالعين و أؤمن بالسحر و بوجودِ الجن أيضاً ، و هذه يا صديقي المثقف و يا صاحب الفكر التنويري من المتفقات بين البشر العقلاء قبل أن تكون من المتفقات الدينية بين الشعوب
ثم أنَّ الله تعالى قال في كتابه المقدّس القرآن الكريم " و ما يُلقّاها إلا الذين صبروا و ما يُلقّاها إلّا ذو حظ عظيم "
بهدوء يرفأ بحالها الـذي تبعثر بفعل حماسها و هو يحاول أن يمتص أشعة غضبها و الذي تكبحه
في بؤرة قلقةٍ جداً ، أزاح ثمة وريقات أمامه و قال :
دانتي الحظ لا يعدو عن كونه قوة نعلّق عليها إجتهاداتنا الخفيّة ليس إلا
دانة بشُغبٍ تفعّل مبدأ " ابقَ هادئاً كي ترتفع نغمة مَنْ رفعْ نغمتك " بضحكةٍ مخلوقةٍ مِنْ وسط وجع قالت :
" اووووه " نسيتُ أن حضرتّكم (...) و العلم و الثقافة و حتى الفلسفة الـتي تشربتمُوها مغايرة عن العامّة
سُلطان كنس سخريتها تماماً لإدراكه بضرورة تغاضيه و تضامنه معها في هذه الفترة الحرجة من حياتها
سلطان : عطشى أنتِ إلى طبيب يضمّد إلتهاباتك ، إذا لم تطببكِ دوواين القباني نزار و لم تداويك روايات
مستغانمي وَ لم تطعّمك الأمصال اللوركية بشيء فماذا أنا بفاعلٍ إذاً ؟ هلاّ أفصحتِ عما في جوفك بعد الذي
حدث ! فأنتِ صامتة وَ الصمت داء من يكتمه يُعيّه شفاءه أو لم تسمعي قول جالينوس
" من كتم داءه أعياه شفاءه " ، أقد نسيت تلك الوعود مني ؟
دانة مستعينة بقول جبران خليل جبران : " ليس من السخاء أنْ تعطيني ما أنا في حاجةٍ إليه أكثر منك ،
بل السخاء بأن تُعطيني ما تحتاج إليه أكثر مني .. أنت رحومٌ إذا عطيت ، وَ لكن لا تنسَ و أنت تُعطي
أن تُدير وجهك عمنْ تُعطيه لكي لاَ ترى حيائه عارياً أمام عينيك "
سلطان : كل الحواجز قد حطمنّاها سوية ، أو لا تذكرين ..؟
دانة مبتسمة : أيضاً تقول مستغانمي أن بعض الأسئلة تورط العشق يا سلطان
سلطان حانق بعض الشيء : حسناً و لِمَ أنت مرتدية لهوية منفصلة عن هويتّك ..؟
سئمت يا عزيزتي من صمتك ! فوالذي نفسي بيده لن يجديك شيئاً غير الآهة ، أعلم تماماً غُمة ظروفك
وَ لكنني أعجب من صمتك الـ اطبق شفتيه تماماً مؤخراً ..
دانة مشتطة غضباً : و ماذا يجدر بأنثى مستكينة كـ " دانة " أن تفعلْ ! أمها تركتها و هي بعمر الست سنوات و هجرت والدها البسيط الخلوق لتتزوج بالسائق العربي و تُهاجر معه لديار الكنانة ، و لم تكتفِ بذلك بل أنها مزقّت جنسيتها " السعودية " لتتجنس بجنسية تلك الدولة البدائية ...ماذا أفعل هلاّ خبرتني !
و بعد إحدى و عشرون عاماً و نيفاً تأتي الديار مُصابة و مُعاقة عنْ الحركة بعد أن قام خالي العزيز الـ هاجر أيضاً لـ " مصر " بتوكيل مَن يقضي عليها لأنها جلبت لهم العَار ..!
سلطان مقاطعاً : كفى بالمرء نبلاً أن يلتزم المنطقية عزيزتي ، والدتك حُرة في تحديد مسار حياتها أياً كان
و قراراتها اتخذتها و هي بخضم نضوجها و رُشدها .. فماذا أنتِ فاعلة إذاٍ .. سأخبركِ !
يتوجب عليك التجاوز و الصفح و إستقبالها بكلتي حنينك و شوقك لها ، ثم أنه بلغني أنها تحمل سرباً من الأطفال
دانة ضاحكة : ثلاثة صبيات في أعمارٍ مُتقاربة ، الأولى ابنة لذاك الـ هجرت والدي بسببه و بلغني أنها اشترت
تربيتها و الحق في ذلك من والدها الـذي سلب أموالها و تركها فقيرة تعاشر الحزن و الضجر بين تلك الأزقّة ،
أما الثانية و الثالية فهما من والد آخر بعد أن تزوجته مؤخراً و لاذت للمحاكم لسؤال الطلاق
سلطان مقاطعاً : شقيّة والدتك عزيزتي و قد قيل " ذكروه ربما كان شقيّاً "
دانة : لن افعل و لن أراها مطلقاً ، سأشدد علاقتي بوالدي و كفى ، فهو الذي رباني و علمنّي و وصلني لهذه الميادين .. لن اسامحها مطلقاً
سلطان : بحق جحيم ظرفك اكنسي تلك الرفات و تجاوزي ، فالعمر يمضي و نحن مجرد عابرون
دانة ممتضعة : سلطان كثيراً كنت قد حدثتني بهذا الجانب و تدرك تماماً ردة فعلي ، فلا تجعلنا نستهلك الأمور
سلطان : و إن قرنت علاقتي بك بإتصالك بها و تجاوزك عنها ، ماذا أنتِ فاعلة ؟
دانة بعينين قد غرقت بالدموع الـ اعتادت عليها : و هل لديك تلك القوة ..؟
سلطان : القوة و المصدر أيضاً ، ماذا قلتِ ...؟
دانة : سأكشف ساقيَّ للقدر وَ سألعق جنون اللا إكتراث ، صاخبة و أنانية أنَا أتعلم قالت تلك الداعية عني فاسقة لمجرد شكل حجابي فقط
إذاً لا أكترث سيدي و لا تخسر الرُهان ، و لا تُراهن " قلب " ليس لديه ما يخسرهـ .... خنقتنها " غصة جافة "
اسمح لي الآن مغادرةُ أنا لحضن والدي و فقط ..

هناك تعليق واحد:

  1. باذخة أنتِ يا شوق كثيراً
    دانة أحببتها و تعاطفت مع قدرها و تحمد الصدفة تلك التي منحتها عشيق رائع كسلطان و الحوار جميل و المونولوج الداخلي بين دانة و داخلها عكست جمالا ايضا قوة دانة الداخلية كفيلة بصنع القرار

    تحياتي لك و شكراً / مجرم قلم

    ردحذف